الخميس، 27 سبتمبر 2012

الإنسانية قبل كل شي ..


,
.


الدرس القاسي الذي تعلمته اليوم :

قبل أن تفكر في المريض بمهنية وبأن حالته مهمة ويجب عليك أن تتعلم منها عليك أن تفكر قبلاً بإنسانية وبأن هذا المريض المنكسر أمامك فقد أعز ما يملك , فقد صحته , وقد تتغير حياته للأبد بسبب هذا , فكر بتعاطف أولاً وقبل كل شي ..




يوم الأثنين :

الدكتورة حدثتنا عن حالة "مهمة" سنستفيد منها كثيراً وسنقوم بدراستها ومتابعتها وستقوم  هي بتقييمنا عليها لاحقاً فتوجهنا إلى غرفة المريض يملؤنا الحماس , وجدناه ممدد على سريره غارق في نوم أشبه ما يكون بالغيبوبة ولا يشعر بشي , سألنا أخوه عنه فقال لنا أنه كان ضحية حادث مروري هو وابنه , ولأنه كان خائف على ابنه وحاول أن يحميه بجسده فقد أصيب في رأسه بضربة أدت إلى انكسار الجمجمة , الموقف كان مؤثراً خصوصاً أنه حاول حماية ابنه ونجح في هذا وخرج ابنه من الحادث سليم معافى ..
تأثرتُ بالموقف لدقائق فقط ثم اندمجتُ في محاولة التعلم من شرح الدكتورة ومن آثار الحادث الواضحة على المريض وهكذا غاب فيني حس الإنسانية وأنا أنظر للمريض مجرد حالة مهمة لدراستي لا أكثر ..


الأربعاء :

عدنا إلى المريض لنكمل ما بدأنا ونسأل عن حالته ففوجئنا به عند دخولنا يجلس على كرسي متحرك !
ثم تحدث فصدمنا أكثر , آثار الحادث كانت تبدو واضحة على وجهه وعلى حديثه وعلى نظراته وعلى تصرفاته كلها , الرجل لم يعد كما كان , الكسر الذي في جمجمته أصاب جسده كله بالفتور وأثر في مخه وأعصابه , وقفنا أمامه جميعنا دون أن نستطيع أن نقول شيئاً , ماذا نقول ؟ نحن جئنا لنكمل تعلمنا عليك وعلى مصيبتك ؟ أم نحن جئنا لأننا نريد أن نسأل عن حالك الذي بدا جلياً أمامنا أنه ليس على ما يرام ؟ قلنا القليل من الجمل الباهتة , الحمد لله على سلامتك , كيفك اليوم يا عم ؟ جئنا نتطمن عليك , آسفين للإزعاج , مع السلامة ..
ثم خرجنا , ليس كما دخلنا ..
أنا أردتُ ان أبكي في وقتها لأن هذا المريض الذي كنا مهتمين به لنتعلم من علّته أفاق اليوم وهو ليس بخير , أفاق وهو يعتقد أنه لن يعود لحياته الطبيعية أبداً , أفاق وهو يائس ومحطم وحزين , لم أشعر بالخجل وقتها , شعرتُ بشيء أكبر ..

الدرس القاسي الذي تعملته اليوم جعلني أبحث عن إنسانيتي في داخلي طويلاً وأسأل نفسي لماذا كنتُ بهذه  التفاهة ؟ لماذا لم أشعر قليل من التعاطف ؟ ثم أصبتُ بالخوف عندما فكرتُ أنني قد أفقد إحساسي تماماً في السنوات القادمة بعد أن أرى الكثير من المرضى وبعد أن أعتاد على هذا فينضب في داخلي الإحساس , سأدعو الله كل ليلة أن لا أكون عديمة الإهتمام أبداً مهما طالت بي السنوات ومهما قابلت من المرضي والحالات ..

أنا موقنة أني لن أنسى هذا اليوم أبداً وسوف يذكرني هذا المريض دوماً بأن مهمة الطبيب أولاً وقبل كل شيء هي الإحساس بمعاناة المريض وبالتعاطف معه ثم محاولة حل مشكلته ومعالجته ..



رسالة إلى العم علي :

أنا آسفة , أنا آسفة , أنا آسفة ..
أتمنى أن تشفى وتكون بخير قريباً ..




رسالة إلى ابن العم علي :

والدك كان مسعتداً لكي يضحي بحياته من أجلك فلا تنسى هذا ما حييت واجعل من نفسك أهلاً لهذه التضحية ..



رسالة إلى أبي :

أحبك جداً والله , أحبك جداً ..




-انتهى-



هناك 4 تعليقات:

  1. - كتابه راااائعه
    وفقت بالوصف والسرد كعادتك .. وكأننا عشنا الموقف معك

    - كل "اب" حتما سيفعل مافعله "علي" وكلي امل ان يدرك الابناء ذلك ويقدرونه

    - انا فخور كأب بما فعله "علي" وأكاد أجزم انه يقول: "لو عادت لعدت"!

    - ستمر بك من المواقف ماهو اصعب من هذا بكثير
    فلا تفقدي انسانيتك .. ولا تنسي رسالتك

    - شكرا لاشراكنا بعض احداثك يادكتوره

    - وانا ايضا احبك جدا .. بنيتي الغالية

    والدك

    ردحذف
    الردود
    1. أقف اليوم أمام أنثى إمتلائت بمشاعر الإنسانية في زمن فقدت فيه ... ولكني دائما ما أتسأل هل نجعل مشاعرنا هي من تقودنا ..؟! شكرا لحرفك المميز الذي أعلم أن خلفه كاتبة و روائية من طراز لا يتكرر غالبا عادت بي الأيام إلى مملكة الماء التي تمنيت أن تعرض على الملاء ليعلموا أن المواهب لا زالت باقية ... جمعة الجميعة

      حذف
    2. شكراً جزيلاً لا أستحق كل هذا الإطراء , ممتنة ..
      أذهلني اطلاعك على مملكة الماء هل لي أن اسأل أين قرأتها ؟

      حذف
  2. قد لا تعلمين فأنا إنسان محب للقافة أحيانا كانت أختي قد أتت بالرواية وتسمرت أمام الشاشة فما كان مني إلا سؤالها عن السبب الذي يدفعها إلا ذلك فقالت إنها رواية صديقتي بدأت بالقراءة و لم أكن أعلم بأني سأكون مسحورا بجمالية القصة... فقط لا غير جمعة البوسعد

    ردحذف

التعليق هنا