الجمعة، 9 مايو 2014

#مشاعر_خريجة




بداية المشهد الأول :"مقتبس من نص سابق"الطفلة الصغيرة يسألونها ماذا تريد أن تصبح لما تكبر ؟الطفلة الصغيرة ترتبك ، وترتجف والحلم في عينيها يلمع :- طبيبة


.،،.


بداية المشهد الثاني :

الحرم الجامعي مهول ، يخشع له الطموح ، الأفواج مرعبة ، كلها يحذوها الأمل للنجاح ، في نهاية السنة الشاقة ، نتنفس الصعداء لأن معدلاتنا كانت أعلى من 3.5 ، هذا يعني أننا سنستمر في الطب ولن نُطرد ..لحظة تفكر ، ثم تنهيد طويلة ، ونهمس بها بيننا دون أن يسمعها أحد "ياحظهم خريجات هذي السنة ، المشوار قدامنا طويييييل "

.،،.

بداية المشهد الثالث :

على استحياء تسأل :- أي قسم ؟بفخر أجيب :- طب تزم شفتيها وتقول بحسرة :- الله يعينك ، شبابك بيضيع ..

.،،.


من أين ابدأ ، على الرغم من جمال النهايات إلا أننا أحياناً نستصعب الكتابة عن الفرح ، نخشى أننا لا نليق ، ونخشى أننا نسقط سهواً بعض التفاصيل ، ولكني سأحاول موجزة أن أتحدث ، وجب علي أن أفعل ..!

.،،.

"وتخرجنا"يا الله ، يااااا الله ، كم كان يبدو الحلم بعيداً ، يسرق من صدورنا الأمل ، الليالي الطويلة التي تمر ونحن نحقن أجسادنا بالقهوة والسهر ، والكتب الثقيلة الي عبرت أدمغتنا المتورمة بكم المعلومات الهائل ، والبكاء اليائس حين يأتي الخوف ويسد منافذ التفاؤل ، كل هذا انتهى ، انتهى للأبد ..يا الله ، ياااا الله ، مضت سريعاً هذه الأيام ، وكأنها لم تكن ، انتقالنا من الجامعة للمستشفى كان سعادة قربتنا للحلم أكثر ، ثم عرفنا جيداً أن الحلم صعب جداً والعقبات كثيرة ، الرعب ، الرعب الذي عشناه كثيراً ، والفرح الذي عاشنا ، ورجفة الأقلام حين يقارب الوقت على الانتهاء والاجابات لم تكتمل ، ورجفة القلب حين معرفة الدكتور الذي سيختبرنا وسمعته تسبقه ، والمريض الذي يأتي ومرضه يكسره ويكون من نصيبنا أن يكون هو الاختبار ، والوجه المحتقن بالاهتراء حين الذهاب ، وبالنوم حين العودة ، والعزلة ، ونهايات الاسبوع الصاخبة التي لم تكن من نصيبنا كثيراً ، والملل من الوقت الفارغ والذي لم نتعرف عليه ، كل هذا ، كل هذا انتهى ..يا الله ، يااااا لله ..

.،،.

وجه أمي وهي تدعو لي برفق ، ورسائلها حين اتوسلها الدعاء ، والصدق في عينيها حين تقول توكلي ولن تحزني ، والأهل حين يعرفون أني أنهار يتعاملون معي كحالة نادرة من البؤس ، بحذر شديد يتناوبون على بث الأمل في صدري ، وينثفون التعاويذ من حولي ، "هانت ياهنوف ، هانت"

.،،.

لازلت أعاصر اللحظة حين دخلت بإرتباك اللحظة الأولى للجامعة ، ولا زلت استشعر كل يوم مضى من عمري وأنا أكتب واقرأ واذاكر واستمع واخطط واضع جداول لترتيب الوقت ثم امسحها في اليوم التالي لضيق الوقت ، واشتري كتباً ضخمة ثم لا أنهيها  ، وتحين اللحظة الحاسمة وأنا لست جاهزة بعد ، لطالما شعرت أني أذهب في كل مرة لساحة معركة وليس لاختبار دنيوي تافه ، لطالما سألت نفسي بغضب "ايش دخلك طب" ولوقت طويل جداً كرهتني لأني قررت لنفسي هذا المصير ..!

.،،.

وانتهى ، انتهى كل هذا  ، اللحظة التي انتظرتها ، التي حلمت بها ، التي تمنيتها بشغف ، اللحظة التي دعوت الله طويلاً أن يبلغني اياها ، بلغني اياها ..!يا الله ياربكة الفرح التي تضخمت في صدري واختنقت ، ورجفة الهيبة وأنا أهتف "والله على ما أقول شهيد" ودموع السنين الطويلة وهي تنساب على صدري أمي ويهتز لها جسدها ..يا الله ياضحكاتنا الصاخبة ، يافرحنا المجلجل ، يا فخرنا بنا حين عبرنا وقلوبنا ترقص في المسيرة ، في لحظتها شعرت بالسلام ، بالفخر ، بأني لم أندم ، وأني أستحق أن أفرح ، وأغني ، وأرقص ، وأنها ست سنوات مضت ، وتحقق الحلم ..!

.،،.

وفي النهاية ، ماذا أقول ، جفت الدمعات ورفعت الكلمات ، النهاية تصعب علينا حين تكون بمنتهى هذا الفرح ، الحمد لله على التمام ، الحمد لله على البلاغ ، هذا من فضل ربي أولاً وأخيراً ..اللهم استعملنا لطاعتك ، ولنشر رسالتك ، وباركنا ، وبارك لنا ، ووفقنا ، وسددنا ، واجعلنا اهلاً لحمل هذه المهمة العظيمة ، وكُن معنا يا الله ، كُن معنا ..

.،،.

شكراً لكل مريض ، سخر لنا وقته المملوء بالوهن لجعلنا أفضل ..شكراً لكل دكتور بذل جهده ليجعلنا طبيبات حريصات على حياة الناس وانكساراتهم ..شكراً لكل صديقاتي ، حين قال الناس "الطب صعب" كانوا هم النجاة ..شكراً لأهلي ، لأنهم كانوا اتساع صدري حين يضيق ..شكراً لأبي لأنه كان قوتي الحقيقية حين انهار ..شكراً لأمي لأنها كانت حياتي حين الاحتضار ..!

.،،.

نهاية المشهد الأول "المقتبس" :الطفلة الصغيرة -أنا- صارت طبيبة ..!

.،،.


نهاية المشهد الثاني :طالبات سنة أولى ، حين كنت استعد للنزول لأداء القسم ، سمعتهم يقولون بتنهيدة عميقة "ياحظهم خريجات 209 ، المشوار قدامنا طويييييل"


.،،.


نهاية المشهد الثالث :المرأة ذاتها ، حين لقاءنا القادم ، سأخبرها كم أنا ممتنة لها لأني حرصت أن أكون زاهية جداً وأن لا يضيع شبابي حتى ألقاها ، وأخبرها بذلك ، أن شبابي لم يضيع ، وأني تخرجت ..!

.،،.

الهنوف8-5-2014